الدليل الكامل لفهم مظاهرات المغرب: من البداية إلى اليوم
تبلغ نسبة البطالة للمغرب بين الشباب 35.8%، وهو رقم صادم يشرح جزءاً كبيراً من أسباب الغضب الشعبي المتصاعد. لقد بدأت المظاهرات الشبابية في يوم السبت 27 سبتمبر 2025، لكنها سرعان ما تحولت إلى حركة احتجاجية واسعة النطاق عبر المدن المغربية الكبرى.
بينما يعاني الاقتصاد المغربي من نمو متباطئ بلغ متوسطه 3% فقط في السنوات الأخيرة، نجد أن معدل البطالة العام وصل إلى 12.8%، ويرتفع إلى 19% بين خريجي الجامعات[-3]. في الواقع، تجلت هذه الأزمة بوضوح عندما ارتفع عدد المشاركين في منصة ديسكورد الخاصة بالمحتجين من 3 آلاف فقط إلى أكثر من 130 ألفاً خلال خمسة أيام فقط.
على الرغم من الاستثمارات الضخمة التي تصل إلى 9.5 مليار درهم لتجديد الملاعب وتطويرها، تشهد قطاعات أساسية كالصحة والتعليم تدهوراً ملحوظاً أثار سخط المواطنين. وقد أدت هذه الاحتجاجات في بعض المدن إلى أعمال شغب ونهب، مما أسفر للأسف عن مقتل 3 أشخاص وإصابة العشرات. في هذا المقال، سنقدم لكم تحليلاً شاملاً لما يحدث في المغرب اليوم، مستعرضين جذور الأزمة وتطوراتها وآفاقها المستقبلية.
كيف بدأت المظاهرات؟
في منتصف سبتمبر 2025، بدأت شرارة احتجاجية غير مسبوقة في المغرب، انطلقت من أزمة صحية محلية لتتحول إلى حركة وطنية سرعان ما اجتاحت مختلف مدن المملكة. لقد وُلدت هذه الحركة من رحم الإحباط الشبابي ووجدت في العالم الرقمي وسيلتها للتنظيم والانتشار.
من هو جيل زد 212؟
يشير مصطلح "جيل زد 212" إلى شريحة الشباب المغاربة المولودين بين عامي 1997 و2012 تقريباً، حيث يجمع الاسم بين "جيل زد" (Generation Z) والرقم 212 وهو رمز الاتصال الدولي للمغرب. يمثل هذا الجيل نحو 26.3% من سكان المملكة بما يعادل 9 ملايين و657 ألفاً و283 شخصاً.
ما يميز هذا الجيل هو نشأته في عصر الإنترنت والهواتف الذكية، إذ لم يعرف عالماً بدونها، مما جعله أكثر انفتاحاً على العالم وأقدر على استخدام المنصات الرقمية للتعبير عن مطالبه. وعلى الرغم من ذلك، يعاني هذا الجيل من معدلات بطالة مرتفعة بلغت 35.8% في الفئة العمرية 15-24 سنة، و21.9% للفئة العمرية 25-34 سنة.
دور وسائل التواصل الاجتماعي في التنظيم
لعبت المنصات الرقمية دوراً محورياً في تنظيم وانتشار الحركة الاحتجاجية. فقد أُطلق خادم ديسكورد "جيل زد 212" في 18 سبتمبر 2025، وكان عدد أعضائه أقل من 1000 عضو عند الإطلاق، لكن هذا الرقم ارتفع بشكل مذهل ليصل إلى أكثر من 150 ألف عضو بحلول 2 أكتوبر.
وفقاً لخبراء في الأمن الرقمي، فضّل الشباب منصة ديسكورد لأنها توفر فضاءات مغلقة وآمنة، وتمنح المستخدمين حرية أكبر في التعبير عبر هويات افتراضية بعيداً عن الرقابة. كما استُخدمت منصات أخرى مثل تيك توك وإنستغرام لنشر مقاطع قصيرة تحمل شعارات احتجاجية، بينما ساهمت مجموعات واتساب المدرسية في تداول الدعوات بين الطلاب.
أول دعوات الاحتجاج وانتشارها
بدأت الدعوات الاحتجاجية في منتصف سبتمبر 2025 عبر حسابات شبابية نشرت مقاطع قصيرة تحمل عبارات مثل "جيلنا ما يسكتش"، مرفقة بصور مولَّدة بالذكاء الاصطناعي. ثم انضمت صفحة Morocco Youth Voice للحركة معلنة عن "يوم غضب وطني" في 27 سبتمبر 2025.
وبالفعل، انطلقت المظاهرات الأولى في الرباط والدار البيضاء ومراكش في 28 سبتمبر 2025. وكان لافتاً أن الاستجابة للدعوات لم تقتصر على المدن الكبرى بل امتدت سريعاً إلى مدن أصغر. وقد تركزت المطالب الرئيسية للمحتجين حول تحسين خدمات الصحة والتعليم ومحاربة الفساد، مع التأكيد على الطابع السلمي للاحتجاجات.
ما الأسباب العميقة وراء الاحتجاجات؟
لم تخرج احتجاجات "جيل زد 212" من فراغ، بل جاءت نتيجة تراكم أزمات عميقة في المجتمع المغربي. هذه الأزمات تجلت بوضوح في أربعة محاور رئيسية تمثل الأسباب الحقيقية وراء الغضب الشعبي المتصاعد.
تدهور قطاع الصحة والتعليم
أثارت وفاة ثماني نساء في مستشفى الحسن الثاني بأكادير موجة غضب عارمة كشفت عن أزمة القطاع الصحي. تعاني المستشفيات المغربية من نقص حاد في الكوادر الطبية، حيث يعمل أكثر من 10 آلاف طبيب مغربي في الخارج مقابل 23 ألف طبيب داخل المملكة فقط. وتشير التقديرات إلى حاجة المغرب لأكثر من 32 ألف طبيب إضافي لتلبية معايير منظمة الصحة العالمية.
أما في قطاع التعليم، فالوضع لا يختلف كثيراً، إذ يبلغ العدد الإجمالي للتلاميذ نحو 8 ملايين و212 ألفاً مقابل 306 آلاف أستاذ فقط. ورغم تخصيص ميزانية تصل إلى 85.6 مليار درهم (9.4 مليار دولار) للتعليم في قانون المالية لسنة 2025، استمرت الأزمة في التفاقم.
البطالة بين الشباب
يمثل ارتفاع معدلات البطالة سبباً جوهرياً للاحتجاجات، حيث بلغت نسبتها بين الشباب (15-24 سنة) 35.8% وترتفع إلى 21.9% للفئة العمرية (25-34 سنة). وتصل النسبة بين حاملي الشهادات إلى 19%.
ومما يزيد الأزمة تعقيداً أن 40% من خريجي التعليم العالي يعملون في مجالات غير متصلة بتعليمهم، ويتجه 33% من اليد العاملة إلى القطاع غير المهيكل الذي يشغل نحو 2.5 مليون شخص.
الإنفاق على كأس العالم مقابل الخدمات الأساسية
يجد المغرب نفسه وسط جدل محتدم حول استضافة كأس العالم 2030 وكأس أفريقيا 2025. فوفقاً للتقديرات، ستخصص الخزينة العامة نحو 25 مليار درهم (2.5 مليار دولار) لبناء الملاعب ومراكز التدريب، و17 مليار درهم لتطوير النقل والطرق.
بينما يرى مؤيدو المشروع أنه سيدر عوائد تصل إلى 10 مليارات دولار، يحذر المعارضون من أن هذه التكلفة ستثقل ميزانية الدولة على حساب القطاعات الحيوية كالتعليم والصحة.
الفوارق الاجتماعية بين الجهات
رغم تراجع الفقر المطلق من 4.8% إلى 3.9%، تفاقمت الفوارق الاجتماعية بشكل ملحوظ. ففي الوقت الذي سجل فيه مستوى معيشة 20% من السكان الأقل يسراً ارتفاعاً سنوياً بنسبة 1.1%، تحسن مستوى معيشة فئة 20% الأكثر يسراً بنسبة 1.4%.
وتكشف البيانات أن 72% من الفقراء يقيمون في القرى، ويتركز 70% منهم في خمس جهات فقط. هذه التفاوتات تعكس اختلالاً واضحاً في السياسات التنموية، دفع الملك محمد السادس للاعتراف بأن المغرب يسير "بسرعتين".
كيف تطورت الأحداث على الأرض؟
اتسعت رقعة الاحتجاجات لتشمل معظم المدن الرئيسية للمغرب، متحولة من تجمعات محدودة إلى حركة شعبية واسعة النطاق. وفيما يلي تفاصيل تطور الأحداث على الأرض.
تسلسل زمني من 27 سبتمبر إلى اليوم
بدأت شرارة الاحتجاجات يوم السبت 27 سبتمبر 2025، على خلفية وفاة ثماني نساء أثناء عمليات قيصرية في مستشفى بأكادير. في الأيام الأربعة الأولى، منعت السلطات المظاهرات بدعوى غياب الترخيص، واعتقلت مئات الشباب. بعد ذلك، أُعطيت تعليمات يوم الأربعاء لعناصر الأمن بعدم التعرض للمتظاهرين. وفي اليوم السادس، مرت الاحتجاجات في معظم المدن بأجواء سلمية.
المدن التي شملتها المظاهرات
امتدت الاحتجاجات إلى 23 إقليماً عبر المغرب. ومن أبرز المدن: الرباط والدار البيضاء وفاس ووجدة ومراكش وأكادير. بالإضافة إلى مدن سلا وتمارة والصخيرات والقنيطرة وسيدي سليمان والمحمدية وطنجة وتطوان وإنزكان وتيزنيت وتارودانت وآسفي وتازة والعيون الشرقية ومكناس والرشيدية وبني ملال وخريبكة والفقيه بن صالح.
أعمال العنف والخسائر
تطورت بعض الاحتجاجات السلمية إلى أعمال عنف، خاصة في مدن وجدة وإنزكان والقليعة. أسفرت هذه المواجهات عن مقتل ثلاثة أشخاص [121، 141] وإصابة 263 من عناصر الأمن و23 مدنياً. كما تم اعتقال 409 شخصاً، وتخريب 142 مركبة أمنية و20 سيارة خاصة.
ردود فعل المحتجين على العنف
أكدت حركة "جيل زد 212" في بيان لها رفضها للعنف، ودعت المتظاهرين للحفاظ على سلمية الاحتجاج والتركيز على رسالتهم. اختار بعض المتظاهرين ارتداء ملابس سوداء حداداً على القتلى. على الرغم من ذلك، تسببت السياسات القمعية وتجاهل السلطات في دفع بعض المتظاهرين نحو أعمال الشغب، وفقاً لأحد الشباب المشاركين.
كيف تفاعلت الدولة والمجتمع؟
تباينت ردود الأفعال تجاه احتجاجات "جيل زد 212" بين مختلف مكونات المجتمع المغربي، وأظهرت انقساماً واضحاً في كيفية التعامل مع هذه الظاهرة.
موقف الحكومة والبيانات الرسمية
جدد وزير الشباب المغربي محمد المهدي بنسعيد دعوة الحكومة للمحتجين للحوار، بينما أبدت رئاسة الأغلبية الحكومية بقيادة عزيز أخنوش استعدادها للتجاوب الإيجابي مع المظاهرات. أقرت الحكومة بوجود تراكمات وإشكالات في المنظومة الصحية منذ عقود، مؤكدة أنها فتحت ورشاً ضخماً لإصلاح القطاع. وفي تصريح رسمي، أعلن المتحدث باسم وزارة الداخلية عن إصابة 263 عنصراً من قوات الأمن و23 شخصاً آخرين، ووضع 409 شخصاً تحت تدابير الحراسة النظرية.
ردود فعل الأحزاب والنقابات
دعا حزب العدالة والتنمية الحكومة للتعامل مع المظاهرات بحكمة سياسية وفق ما ينص عليه الدستور، بينما أكدت منظمة الشبيبة الحركية أن الأزمة نتيجة حتمية لغياب الرؤية الحكومية. ظلت تأثيرات أحزاب المعارضة البرلمانية محدودة رغم مطالبتها بالحوار، فيما دعت بعض الأصوات المنفردة داخل هذه التنظيمات إلى استقالة الحكومة.
موقف المنظمات الحقوقية
استنكرت منظمات حقوقية استعمال القوة لتفريق المتظاهرين، وطالبت بالإفراج الفوري عن المعتقلين. اعتبرت الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان أن ما وقع يعكس فشلاً حكومياً في الاستجابة للمطالب الاجتماعية. كما دعت المنظمة المغربية لحقوق الإنسان إلى احترام حرية التجمع والتظاهر السلميين.
دور الإعلام والمشاهير
تجاهلت وسائل الإعلام الرسمية تغطية هذه المظاهرات، بينما انقسمت ردود الفعل على منصات التواصل الاجتماعي بين منتقدي تعامل قوات الأمن ومعارضي الاحتجاجات. عبر عدد من المشاهير المغاربة عن دعمهم للاحتجاجات السلمية، مطالبين بالإفراج عن الشباب المعتقلين. ووسط هذه الأحداث، واجه الإعلام المغربي تحديات كبيرة في تغطية الأحداث.
الخاتمة
وهكذا، تظهر احتجاجات "جيل زد 212" تحولاً عميقاً في المشهد الاجتماعي المغربي. لقد انبثقت هذه الحركة من رحم واقع مرير يعيشه الشباب المغربي، حيث يواجهون معدلات بطالة مرتفعة وصلت إلى 35.8% بين الفئة العمرية 15-24 سنة، بالإضافة إلى تدهور الخدمات الأساسية في قطاعي الصحة والتعليم.
ثم إن التفاوت الاجتماعي وتوزيع الثروة غير العادل، إلى جانب التساؤلات المشروعة حول أولويات الإنفاق الحكومي، شكلت أرضية خصبة لهذه الاحتجاجات. بلا شك، فإن استخدام الشباب للمنصات الرقمية وخاصة ديسكورد لتنظيم حركتهم يكشف عن وعي جديد وأساليب مبتكرة في التعبئة السياسية.
ولعل أبرز ما يميز هذه الاحتجاجات طابعها العفوي وانتشارها السريع عبر المدن المغربية، مما يعكس عمق الأزمة وشموليتها. على الرغم من تحول بعض المظاهرات إلى أعمال عنف، ظلت الدعوات الأساسية للحركة مركزة على السلمية والمطالب المشروعة.
أخيراً، تقف المملكة المغربية اليوم أمام مفترق طرق حاسم. فمستقبل الاستقرار الاجتماعي والسياسي في البلاد يعتمد على قدرة الدولة على الاستجابة لمطالب هذا الجيل بإصلاحات حقيقية تعالج جذور الأزمة، وليس مجرد إجراءات سطحية. لذا، فإن فهم عمق هذه الحركة الاحتجاجية وأسبابها الحقيقية يشكل الخطوة الأولى نحو حوار مجتمعي بناء يمكن أن يقود المغرب نحو مستقبل أكثر استقراراً وعدالة.